التعادلية مع الاسلام
انتهيت من قراءة كتاب بعنوان
( التعادلية مع الاسلام ) وهو للكاتب والمفكر الكبير والعبقري توفيق الحكيم .
وفي الحقيقة لم اكن اعتقد
أني بإستطاعتي ان اتطرق لأي موضوع من مواضيعه ، هذا لمعرفتي التامة بعبقريتة
وفلسفتة التي غزت العالم وحيرت العقول .
فكيف لي أنا صاحب هذا العقل
الغير عاقل أن أدخل نفسي في هذا العالم وتلك الكلمات التي ربما لا أخرج منها إلا
وأنا أكثر جنونا مما أنا فيه .
ولكن للأسف ما حدث أني ندمت
على أني تأخرت كثيرا إلى أن انتبهت لمدى روعة ومدى بساطة وسهولة وجمال تلك الكلمات
وتلك المواضيع .
فمع أن الموضوع هو في
الفلسفة والفكر من الدرجة الأولى .
ويحتاج إلى تركيز في كل حرف
وكل كلمة للوصول للنتيجة المراد الوصول إليها .
إلا أن بساطتة وروعتة لا
تجعل القاريء يبتعد عن الموضوع الأساسي أو حتى الفرعي .
وعبقرية الكاتب تجعل كل من
يتذوق تلك الكلمات أن يعرف مدى حلاوتها .
الكتاب مش مجرد رأي الكاتب
في شيء بعينة أو فلسفتة الخاصة ورؤيتة للحياه . بل هو بكل ما فيه حياه .
فمنذ أبن بدأت وأنا أجد في
كل قطعة فلسفة خاصه بها .
لكل كلمه النغمه الخاصة التي
تخصها ولا تخص غيرها .
وكعادتي لم أقدر أن أكون ذاك
المار مرور الكرام على أيا من تلك الكلمات .
وجب عليا أن أقتبس وأن أضيف
مكررا بعضا من تلك الكلمات .
في البداية هو كحوار بين
أديب وناقد . حيث أن الأديب يقوم بإيضاح والرد على تساؤلات الناقد . بعد أن قد بدأ
الكتاب برأي الناقد وتساؤلاتة .
يوضح الناقد الاختلاف بين
الأديب والناقد ورؤيتهما . وأنهما مكملان لبعضهما البعض .
ثم يبدأ في تحليلة وإيضاح
رؤية توفيق الحكيم ونظرتة للأشياء .
يقول الناقد عن رؤية الحكيم
للخير أنه لا يكون إلا فعلا اراديا يؤدي إلى نفع الغير ، والشر هو الفعل الارادي
الذي يؤدي إلى ضرر الغير .
وأن الحكيم يرى في فكرة
العقاب رأيا طريفا هو أن فعل الضرر بالناس لا ينبغي أن يقابلة سجن يحرم صاحبة من
حريتة ، إذ التعادل لا يكون بين الشر والحرية ، وإنما يكون بين الشر والخير ،
ومؤدَّى ذلك هو أن أجعل الشرير الذي فعل فعلا ضارا يؤدي فعلا نافعا ليتعادل نفعة
للناس مع ضررة .
أيضا أضاف تعريف الحكيم
للضمير وأنه شعور الذات بشر لحق الغير لم يقدَّم عنه حساب . وأن العدل هو المظهر
الأخلاقي للتعادل ، والضمير اذن هو الشعور بالعدل ، وكما يقال إن للفرد الواحد
ضميرا كذلك يقال إن للمجتمع بأسره ضميرا ، يؤدي المهمة نفسها ، أعني أنه يؤرق
المجتمع إذا ما أحس أنه أوقع الضرَّ بغيره ، أو أحس بأن طائفة منه أضرت بطائفة
أخرى من أبنائه .
بعد ان انتهى القاريء الناقد
من كلماتة ورسالتة التي أخذت عددا من الصفحات ، من رأي وسؤال وتوضيح وتقدير وكل
تلك الأشياء التي لم ينسى منها شيء إلا وتكلم عنه .
يأتي الحكيم ليضيف بأن هذة
الصفحات القادمة والكتاب بأكملة ما هو إلا اجابة عن سؤال . وأنها اجابة موجزة عن
سؤال مهم وجهة إليه قاريء جاد . وأنه جعل تلك الاجابة للنشر لأنها قد تلقي ضوءا
على كتبه التي نشرت ، وان اجابتة تصف وضع يمكن وصفه بأنه مذهبة في الحياه والفن .
من هنا بدأ الكاتب في الرد
على السؤال والتساؤلات .
ويبدو بأن الاجابة لن تكون
بتلك البساطة والسهولة ، بل السؤال خلق أسئلة أخرى .
والاجابة وجبت أن تبدأ من
البداية . مع توضيح أن التعادلية هي قاعدة الحياه .
ويبدأ في إثبات ذلك من خلال
تحليلة للأشياء وربطها معا ليصل لنتيجة واحدة وهي التعادلية .
التركيب الروحي للانسان هو
شهيقة وزفيرة ، فيما يمكن ان نسمية الفكر والشعور أو بعبارة أخرى : العقل والقلب .
والحياه الروحية السليمة هي أيضا تعادل بين الفكر والشعور . فالانسان اذن كائن متعادل
ماديا وروحيا .
الانسان يخشى في كل لحظة
دماره المادي بيدة هو نفسة . فهو قد أصبح قادرا قدرة مادية هائلة ساحقة ، يمكنها
في أي وقت أن تفلت من يده ، وإذا أفلتت فقد هلك .. هذة القدرة أو القوة لا يلجمها
غير حكمتة .. وهو لا يضمن كثيرا هذة الحكمة . ومن هنا جاء قلقه . قلقه على سلامته
وكيانه .
أنا أحس بشعوري الداخلي أن
الإنسان ليس وحده في هذا الكون . وهذا هو الإيمان . وليس من حق أحد أن يطلب إلى
الإيمان تعليلا أو دليلا . فإما أن نشعر أو لا نشعر ، وليس للعقل هنا أن يتدخل
ليثبت شيئا . وإن أولئك الذين يلجأون إلى العقل ومنطقه ليثبت لهم الإيمان ، إنما
يسيئون إلى الإيمان نفسه . فالإيمان لا برهان عليه من خارجه. إني أؤمن بأني لست
وحدي . لأني أشعر بذلك . ولم أفقد إيماني ، لأني رجل متعادل .
ولكني من جهة أخرى أفكر بعقلي
، لا لكي أدعم إيماني بأني لست وحدي . بل لأعرض المسألة أمام تفكيري بعيدا عن
الإيمان .
هل يقبل العقل فكرة الكائن
الأرقى ؟ أي الأرقى من الإنسان ؟
إن الحيوان حتى في أعلى
مراتبه لا يدرك فكرة الأرقى . إنه يدرك فكرة الأقوى . فالعالم بالنسبة إليه إما
مخلوقات ضعيفة يتغلب عليها ، وإما مماثله له في القوة ، وإما أقوى منه يتحاشى
مواجهتا . والقوه عنده بدنية بحتة .
أما الإنسان فيستطيع بعقله
أن يدرك فكرة الأرقى . أي الأقوى ذهنا وروحا .
فلنؤمن إذن بالقلب وحده ..
تلك قوته . ولندع العقل يفكر في مجاله وحده . تلك أيضا قوته .
وهذا التعادل بين القوتين
يكفل سلامة الشخصية الإنسانية .
في أي مدرسة يتعلم الطير
والنحل هذة الأعمال البارعة ؟ فتجيب الملاحظة : إن الطير والنحل وأكثر الحيوانات
والحشرات لا تتعلم ولا تتدرب ، ولكنها تولد وفي أعماقها هذه المعرفة المخزونة فيها
– تلك التي تسمى الغريزة فتدفعها دفعا وتحركها تحريكا لصنع هذة الأعاجيب . عندئذ
يتساءل العقل : والإنسان ؟ لماذا يولد ولا يتسطيع هو أيضا أن يبني بيتة الجميل
ويغرس بستانه الرائع بغير تعليم ولا تدريب ؟ ما بال الإنسان يولد عاجزا حتى عن
المشي والكلام ولا يختزن في جوفه حذارته كالنحل والنمل ؟ ماباله يولد متروكا لنفسه
، مجردا من الغرائز الإنشائية ، محتاجا إلى اكتساب معارفه بنفسه خطوة خطوة ؟
نعم ... الحيوان يولد مكبلا
بالمعرفة المتحجرة أي الغريزة ، والإنسان يولد مجردا .. أي حرا .. وعليه هو أن
يكتشف المعرفه من جديد في كل مرة يولد .
إني لا أعيب على العقل أن
يشك . لأن وظيفة العقل هي الشك . أي الحركة . فإذا انقطع عن الشك في بحوثه
وقوانينه ، ووقف عن الحركة في تقليب الحقائق والنتائج فقد شل عمله وانتهى أجله .
أما القلب فوظيفتة الإيمان : أي الثبات .
الانسان مع ما يركب فيه من غرائز الحرب والكفاح
، عندما جحد وجود وغيره على الأرض ، وأنكر كل قوة غير قوته في الدنيا ، لم يجد ما
يوجه إليه غرائز حربه ونشاط كفاحه غير نفسه ، فانقلب محاربا نفسه ، هادما ذاته .
الشعور بعجز الإنسان أمام
مصيره هو عندي حافز إلى الكفاح ، لا إلى التخاذل .
وضع الانسان في الكون على
أساس أنه يعقل وجود الأرقى ويشعر به ويدرك انه حر الإراده في نطاق إرادة خارجية
عليا .
الإنسان ليس خاضعا للجبرية
التي تخضع لها النملة والنحلة . فهو قد خلق حرا يتكيف عمله ويتحدد اتجاهه تبعا
لظروف اتصاله بالحياه ، ومهما يكن من امر وجود القوى الأخرى التي تؤثر في إرادته ،
فإن هذا التأثير لا ينفي عنه صفة الإرادة الحرة في كثير من أوضاعها .
وما دام الإنسان حر الإرادة
، ولو بعض الحرية ، فهو إذن مسئول . لأن المسئولية تنبع من الحرية . فالنحلة أو
النملة ليست مسئولة عن عملها ، لأنها خلقت به . أما الإنسان فلن يخلق بعمله . فهو
إذن مسئول عنه .
فالخير وهو الفعل الإرادي
الذي يؤدي إلى نفع الغير ، والشر وهو الفعل الإرادي الذي يؤدي إلى ضرر الغير ، لا
يوجدان إلا بوجود الغير .
فلابد إذن من وجود الغير ،
او بعبارة أخرى المجتمع ، حتى يوجد الخير والشر – فالخير والشر لم يولدا مع
الإنسان ، ولكنهما ولدا مع المجتمع .. أو على الأصح بعد ميلاد المجتمع .
وقد يكون الشر هو الأصل في
الإنسان ، لأنه متصل بالوعي للإنسان : وهو الشعور بالذات ، وحب هذة الذات .. فحب
الذات الغريزي في كل الموجودات الحية ، ومنها الإنسان ، يدفعه إلى إرضاء هذه الذات ولو أدى ذلك إلى إيذاء
الغير . وكلما كان المجتمع بدائيا همجيا انطلقت هذة الأثرة الغريزية على فطرتها
غير مباليه بضرر الغير . ولكن المجتمع في تطوره نحو النظام رأى أن ضرر الغير لا بد
أن يوازن ويعادل بفعل آخر ، وهو نفع الغير .
لأن حب الغير أشق وأصعب عند
الإنسان من حب النفس . فالخير وليد الروح والتهذيب ، ولكن الشر وليد الغريزة
والطبع .
فالإنسان عندي قيمة ثابتة ،
تلحق بها أحوال متغيرة من الخير والشر ، والصحة والمرض .
أرى أن فكرة الخير والشر يجب
أن تتغير في نظر المجتمع . وأن المجتمع يجب أن يقف من مرتكب الشر – لا موقف
المنتقم - ، بل موقف المطالب بحالة التعادل ، أي بفعل الخير . وعلى هذا الأساس يجب
أن تتغير فكرة العقاب . فمعاقبة مرتكب الشر بحبسه : أي بحرمانه من حريته ، فكرة
خاطئة . فحرية الإنسان يجب ان تبقى له . وثمن الجريمة يجب ان يدفع – لا من حرية
الإنسان ، بل من عمل إيجابي يوازن ويعادل العمل الذي
ارتكبه .
إن من يرتكب الشر : أي من
يقوم بالعمل الإرادي الذي يؤدي إلى ضرر الغير ، يجب أن يدفع الثمن بعمل إرادي يؤدي
إلى منفعة الغير .
أما أن يؤدي المذنب الثمن
بمجرد حرمانة من التدخين أو الطعام أو الاتصال بأهله وذويه ، فهذا إجراء سلبي لا
يعود على الغير بفائدة . ويعود على المذنب بشر العواقب ، فهو يفقده آدميتة ،
ويقلبه وحشا بشريا يتدرب في سجنه وقفصة على التنمر للمجتمع الذي وصمه بوصمة
الإجرام .
وهكذا تتم عملية الانشطار
بين اهل المجتمع الواحد ، وينقسم الناس إلى أخيار وأشرار ، بحكم القانون والعرف ،
لا بحكم الواقع والحقيقة .
والرأي عندي هو إعادة النظر
في طريقة الحساب والعقاب . فيما عدا عقوبة الإعدام للقتل العمد ، فهي لا بد أن
تبقى . لا على أنها عقوبة ، بل لأنها وضع طبيعي . فطبقا لمذهب التعادل : لا شيء
يعادل حياة الإنسان غير حياة الإنسان .
ووجود الخير والشر يؤدي إلى
وجود الضمير . والضمير خاص بالإنسان . لأن الخير والشر لا يعرفهما الحيوان .
فالحيوان قد ينفع ويضر ، ولكن بالفعل الغريزي لا بالفعل الإرادي .
ومتى انتفت الإرادة ، انتفت
المسئولية ، ومتى انتفت المسئولية عن الخير والشر ، انتفى معناهما . والضمير
كالخير والشر ، لابد لوجوده من وجود الغير : أي المجتمع . فالإنسان الفرد المنعزل
في جزيرة نائية يعيش بدون ضمير ، لأنه يعيش بدون خير وشر وغير .
الضمير هو إذن شعور الذات
بشر لحق الغير لم يقدم عنه حساب . ذلك أن المذنب الذي يعاقب على ذنبه أو يكفِّر
عنه التكفير الكافي ، لا يسمع في أعماق نفسه صوتا للضمير . فالضمير لا يتكلم إلا
ليذكر بالمديونية قبل الغير ، أو بعبارة أخرى يذكر النفس أن الشر الذي ارتكب يجب
أن يعادل بخير . هذا الشعور بالتعادل يسمى في عرف الأخلاق بالعدل . فالعدل هو
المظهر الأخلاقي للتعادل . والضمير إذن هو الشعور بالعدل ، أو على الأصح : شعور
الذات بعدل لم يتحقق نحو الغير .
والضمير كما يوجد عند الفرد
يوجد عند المجتمع . فالمجتمع يتولد فيه أيضا شعور بان عدلا لم يتحقق نحو الغير ،
وهنا تقوم الثورات الاجتماعية لتصحح الوضع وتعيد حالة التعادل ، والتي تسمى
العدالة ، او العدل الاجتماعي .
كل ضعف تعوضه قوة . وكل نقص
تقابله زيادة . فالنحلة رقيقة الجناح ، ولكنها حادة الإبرة .
إما أن ينجح الفكر في توجيه
العمل ، وإما أن ينجح العمل في خنق الفكر .
فالعمل من قديم ممثل في
السلطة المادية التي تتولى أمور الناس بالفعل . والفكر ممثل في السلطة الروحية
التي تبصر وتنقد وتفتح للناس الآفاق التي يمكن أن يمتد إليها التطور الإنساني .
العمل إرادة تجمدت وتقيدت
والتزمت بوضع خاص .
فالالتزام إذن من صفات العمل
.
والحرية من صفات الفكر .
والفكر الذي يلتزم ينقلب إلى
عمل .
عدم مراعاة مقتضى الحال تكلف
.
الفنان لا يسير دائما في خط
مستقيم . والتطور عنده ليس الانتقال المباشر من حسن إلى أحسن ، أو من عميق إلى
أعمق . ولكنه كالطبيعة يتطور من خلال التجربة الذاتية تبعا لقانون الفعل ورد الفعل
.
الفن للفن هو حبس الفنان في
هيكل الشكل .
والفن الملتزم ، هو حبس
الفنان في سجن المضمون .
والسجن في الحالتين يمنع
الفنان من تبليغ رسالتة كاملة . تلك الرسالة التي تنبع من الحرية دائما ، لتبشر
بالحرية .
الإيمان الطويل الأمد هو
بالنسبة إلى الفكر عاهة . لأن الفكر السليم هو الفكر المتحرك . وحركة الفكر معناها
حرية شكه . وحرية الشك معناها حرية المراجعة للقيم والأوضاع .
ولكن الإيمان في الرسالات
السماوية مقبول ، لأن الأمر كله متعلق بموضوع علوي بعيد عن متناول الفكر ، فنحن
عندما نؤمن بفكرة الله قد رضينا مختارين أن نلتزم بتعطيل التفكير في ماهيته وفي
حكمه . واكتفينا بالإيمان ، لعلمنا أن فكرنا البشري لا يصلح أداة لإدراك قوانين من
هو فوق البشر .
عجز
الانسان تجاه مصيرة .
إرادة
الانسان عندي إذن حرة في حدود خاصة ، وهذة الحدود هي قوانين ، وليست إرادات طاغية
. هي نواميس ، وليست مصادفات طارئة . فالإنسان عندي عاجز حقا امام مصيرة في
النهاية . هذا المصير الذي تدفع إليه قوانين نواميس يحاول دائما أن يتخطاها أو
يحطمها .
أما
التعبير فهو حر طليق كالحياه نفسها ، ما لم يقيد نفسه كما قلنا بالمغالاة في الشكل
فينحرف إلى الفن للفن أو يحبس نفسه في مضمون دائم معين بالذات فيصبح شأنه شان الفن
الملتزم .
حيث
يوجد الرأي توجد المسئولية . ولكن المسئولية ، كما عرفنا ، لا تنبع إلا من الحرية
. لأن المقيد غير مسئول .
بغير
الغير لا يوجد وجود .
ان
الفكر يجب أن يكون معادلا للعمل ، وأن مسئولية الفكر هي في حريتة واستقلالة تجاه
العمل
الخير
والشر وضعان للإنسان . وأن الخير يجب أن يعادل ويوازن الشر ، وأن جزاء الشر ليس
الاقتصاص من حرية الشخص .
العقل
بمنطقة وشكه يجب أن يعادل ويوازن القلب بشعوره وايمانه .
انت
تعادلي اذا كنت ترى أن الاثر الأدبي أو الفني يجب أن يقوم على التعادل والتوازن
بين قوة التعبير وقوة التفسير .
الجنون
أحيانا هو الجمود على فكرة معينه .
ومن
هنا كانت القراءة في بعض الأحيان فنا . بل أداء إيجابيا معادلا للكتابة لأن
القاريء المكتشف يخلق شيئا . شيئا موجودا من قبل ولكنه مجهول . وما قيمة الموجود
إن لم يكن معلوما ؟؟
شأن
القاريء المكتشف للمعاني والاتجاهات شأن الرحالة المكتشف للجزر والقارات ، إنها
مخلوقة قبل رحلتة ، ولكنه هو الذي أخرجها من ضباب يشبه العدم إلى نور أوجدها في
نظر الناس .
من
القراء من يشبه البحار الجاهل الذي يسير بغير بوصله ولا يعرف شمالة من جنوبة ، ولا
يحسن إلا أن ينشر شراعه وينطلق في بحره على غير هدى ، فإذا ضل لم يتهم جهله ، إنما
اتهم البحر وخلوه من الجزر والشواطيء .
وخير
من هؤلاء جميعا القاريء المتواضع الذي يحاول بكل أمانة وطيب إرادة وحسن طوية أن
يتابع أفكارك بصبر وعناية . وهذا يكفي . سواء نجح او أخفق في فهم ما تريد ، ومثل
هذا القاريء عادة لا يتحذلق ولا يتظاهر بعلم ولا يلقي الكلام على عواهنه . إنما
نعرفه جميعا من اختيار ألفاظة واتزان أحكامة .
فجملة
القول إذن أن القاريء المكتشف ليس بالقاريء العادي ، بل هو قاريء نادر . لأنة وهب
من صفات الصبر والدقه وطول البال والباع وحسن التلقي وقلة الادعاء وحب المؤلف –
هذا القاريء وهب من هذة الصفات كلها قدرا يؤهله لأن يكتشف : أي يعطيك أكثر مما
يأخذ منك .
معنى
التعادل هنا هو التقابل . والقوة المعادلة هنا معناها القوة المقابلة والمناهضة .
احتفظ
بقوتك الخاصة مستقلة حرة ، لتعادل بها وتقابل القوى الأخرى التي تريد أن تبتلعك .
بذلك تقاوم وتتحرك وتحيا .
التعادلية
هي مقاومة الابتلاع ..
اذا
كان لديك ضعف ونقص ، فابحث جيدا في انحاء نفسك ، فستجد فيها قوة خفية معادلة
وزيادة كامنة مقابلة .
عادل وجودك كما فعلت أرضك إزاء الشمس . وازن نفسك
تجاه القوى المواجهة . والا ابتلعتك في جوفها ، وأصبحت لها وقودا وطعاما . وصرت
عدما .
التعادلية
هي فلسفة القوة المقابلة والحركة المقاومة للابتلاعية .
الإيمان
يستخدم فيما يتصل بالله ، والعقل يستخدم فيما يتصل بالبشر .
الاسلام
في جوهره ضد الغلو والطغيان ، فهو لا يحب الجمود ، لأنه دين حركة واعتدال وتفكير .
ونحن في زمننا الحاضر في حاجة إلى رجال الدين الذين يبحثون في شجاعة ، ينادون بما
في الإسلام من دعوة إلى الفكر والاعتدال ، وعدم الغلو والطغيان لعنصر من عناصر
الكون .
كل
ما ذكرتة اعلاه هو كم بسيط جدا جدا مما يريد الحكيم أن يوضحة وأن ينبه عليه الجميع
. هي طريقتة في التفكير والتي أراد بكلماتة أن يعيد الجميع التفكير في طريقة
التفكير . وبعد كل ذاك اختتم الحكيم كلماتة بدعاء أسماه بدعاء التعادلية .
يا
من بيده نفسي .. اللهم اجعل عقلي يفهم حكمتك . واجعل قلبي يصل إلى نورك .
وفي
الحقيقة بعد ان انتهت من هذا الكم المقتبس وتلك الكلمات المكررة .
والتي
لم أفعل أنا فيها شيئا سوى اني اعدت كتابتها .
وقفت
مع نفسي وقفة المتأمل في حقيقة ذاتة . وقفة العاري أمام مرآتة . متأملا جميع
تقسيماتة . وأخذت اسأل نفسي واتسائل . وما الفائدة المترجاه من كل ذاك .
وما
دوري أنا القاريء في الاكتشاف . واين انا من تلك الكتابات .
فانا
لست بالكاتب . فلم أكتب شيئا . ولم أصل أيضا إلى أن أكون ذاك القاريء الذي وصفة
الكاتب . ولا انا بالناقد الذي بدأ الموضوع وابتدأ به الموضوع .
لست
سوى جاهل . يحاول أن يخرج من تلك القوقعة التي يسكن فيها .
لست
سوى سجين . يحاول أن يكسر قضبان زنزانة هو نفسه صنعها لنفسة .
لست
سوى واهم . يحاول أن يتخيل دائما أنه فاهم .
ولكي
أوضح السبب في طريقتي تلك السازجة في الاقتباس . أردت أن أضيف تلك الكلمات الأخيرة
لعلها تكون سببا في التعليل وتخفيف من على اكتافي الحمل .
1
– البعض لا يحب الكتب المليئة بتلك الكلمات . فأردت أن أختصرها لعله بقراءة
المقتبس يصل إلى خلاصة الكتاب .
2
- لم أجد طريقة لتقديري لتلك الكلمات إلا
أني أعيد كتابتها .
3
– كلمات أردت الرجوع إليها دائما ، اليوم وغدا . أردت أعادة قراءتها .
4
– لعل القليل من تلك الكلمات يجعل البعض يسعى جاهدا ليعرف الكثير منها .
5
– يتذوق البعض القليل فيجد حلاوة الطعم . ومن ثم يبدأ في الأكل بشراهه .
تعليقات
إرسال تعليق
رافعين معنوياتي . رأيك يهمني . ردك يسعدني .