التصوير… بين وهم التوثيق وهشاشة الذكرى

التصوير… بين وهم التوثيق وهشاشة الذكرى


يستوقفني أولئك الذين لا يكفون عن تصوير أنفسهم أو الأماكن التي يزورونها، وكأنهم في سباقٍ مع الزمن، يحاولون اقتناص لحظات السعادة قبل أن تفلت من بين أيديهم.

 يظنون أن الصورة تحفظ اللحظة، وأنها ستكون ملاذًا للذاكرة حين يشتد الحنين، أو حين لا تسنح لهم الفرصة للعودة إلى تلك الأماكن أو استعادة تلك المشاعر.


وربما هم محقون، فالحياة لا تضمن لنا الفرص مرتين. 

وقد تكون الصورة هي الوسيلة الوحيدة لاسترجاع لحظةٍ لن تتكرر. 

لكن ما يغفلون عنه هو هشاشة كل ما نحتفظ به. 

فهذه الصور، مهما بدت ثمينة، قد لا تُرى أبدًا.

 فبانتهاء الحياة، لا قيمة لأي شيء. 

لا الصور، ولا الذكريات، ولا حتى اللحظات التي سعينا لتوثيقها.


التوثيق لا يمنح اللحظة خلودًا، بل يضعها في إطارٍ جامد، بينما الحياة تمضي. 

وربما الأجدر بنا أن نعيش اللحظة بكامل حضورنا، لا أن نُشغل أنفسنا بتجميدها. 

فالسعادة الحقيقية لا تُحفظ في ملفات الصور، بل تُعاش في القلب، وتُحفر في الوجدان.


إن محاولة الإمساك بالزمن عبر عدسة كاميرا قد تكون تعبيرًا عن خوفٍ دفين من النسيان، أو من الفقد.

 لكنها في الوقت ذاته قد تُبعدنا عن اللحظة نفسها، عن عمقها، عن تفاصيلها التي لا تُرى في الصور. 

فهل نعيش اللحظة حقًا حين ننشغل بتوثيقها؟ أم أن التوثيق نفسه هو ما يُضعف من عمق التجربة؟


ربما لا يكون الجواب واضحًا، لكن ما هو مؤكد أن الحياة لا تُختزل في صورة، ولا تُختزن في ذاكرة هاتف. 

الحياة تُعاش، لا تُؤرشف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحلم الأزرق

الخواجة عبدالقادر

الشيطان يحكم ..